skip to Main Content

قانون المسؤولية الطبية و الصحية

قانون المسؤولية الطبية و الصحية
قانون المسؤولية الطبية والصحية بين النفاذ والتطبيق!

لعل تطور الأحداث بشكل متسارع وظهور أنظمة ومبادئ ونظريات مستحدثة على الساحة القانونية قد يخلق توتراً وإرباكاً ولبساً لدى العدة، ويطرح لديهم العديد من التساؤلات حول كيفية التعامل مع بعض هذه التطورات والتصدي لبعضها الآخر. الأمر الذي يتطلب من السلطتين التنفيذية والتشريعية تكاتفاً وتعاوناً مشتركاً لغايات احتواء وتقنين ومواكبة هذه التطورات، ويتطلب منهما سرعة استجابة وردة فعل تتناسب مع هذه التطورات، وذلك من خلال سن تشريعات عصرية تتسم بالديناميكية والسلاسة، والعمل على إنجازها بالسرعة الممكنة دون مماطلة أو تأخير، مع مراعاة عدم اللجوء الى العَجلة غير المبررة في صياغتها وإقرارها، وإلا فإن تأخير إقرارها أو تعطيل نفاذها يفقدها محتواها ويجعلها متأخرة عن تلك التشريعات في الدول المحيطة مما يؤدي حتماً الى تعطيل سير العجلة الاقتصادية والتنموية.

 

تمر القوانين الأردنية بالعديد من المراحل التشريعية؛ ما بين تحضير وإقتراح ومناقشة وتصويت وإقرار وتصديق والنشر في الجريدة الرسمية وصولاً إلى نفاذها، وبطبيعة الحال فإن بعض هذه القوانين قد يستغرق سنوات طويلة لدخول حيز التنفيذ. إن معظم القوانين تصدر بشكل موجز يتضمن المبادئ العامة والنقاط الرئيسية لموضوع القانون دون التطرق الى حيثيات وطريقة تنفيذ أحكام القانون نفسه، وذلك من خلال إناطة الأمر للسلطة التنفيذية بموجب صلاحياتها في إصدار الأنظمة والتعليمات بمقتضى القانون، وغاية المشرع في ذلك هو أن أصحاب الخبرة والإختصاص في السلطة التنفيذية، ومن خلال طبيعة عملهم، هم الأقدر على تغطية جميع الجوانب العملية والتنظيمية للقانون.

والتساؤل الذي يثور هنا هو ما مدى إلزامية إصدار مثل هذه الأنظمة والتعليمات على السلطة التنفيذية؟ وما هو الإطار الزمني الذي كفله المشرع لضمان إصدار الأنظمة والتعليمات المنصوص عليها بموجب القانون؟ وبالنسبة للقوانين العالقة والمحفوظة في الأدراج منذ سنوات، فما هو الإطار الزمني الذي كفله الدستور لغايات إقرارها في أوانها تزامناً مع موجبات إصدارها وضماناً لمواكبتها مع التشريعات الأخرى؟

 

إن معظم القوانين تنص في متنها على ضرورة إصدار أنظمة و/أو تعليمات و/أو الإشارة الى تشكيل لجان و/أو أذرع لغايات تنفيذ أحكام القانون، وعلى الأغلب دون تحديد إطار زمني ملزم لتلك الجهات لغايات إصدارها، مع العلم بأن معظم هذه القوانين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً لا يقبل التجزئة مع تلك الأنظمة والتعليمات وبشكل لا يسمح بتأخير إصدارها ضماناً لحسن تنفيذ القانون بالشكل المرجو. وبشكل عام، فإن الأنظمة والتعليمات تنقسم من حيث طبيعتها الى قسمين؛ فمنها ما له طابع تنظيمي لا يؤثر بشكل مباشر على تنفيذ القانون، ومنها ما له طابع جوهري ومفصلي لغايات تنفيذ أحكام القانون، وأشير هنا وعلى سبيل المثال، الى الأنظمة والتعليمات المشار اليهما في قانون المسؤولية الطبية والصحية لعام ٢٠١٨.

 

لقد ظل مشروع قانون المسؤولية الطبية والصحية قرابة العقدين من الزمن في أدراج مجلس النواب ما بين مدٍ وجزر، وما بين مؤيد ومعارض، فالبعض يدفع بتغليظ العقوبات على مقدم الخدمة الطبية والصحية، والأخير يماطل إقرار القانون ظناً بأن القانون قد يؤثر على مصالحه ويعيق تحركاته، علماً بأن الغاية الأسمى من هذا التشريع هي حماية مقدمي ومتلقي الخدمة على حدٍ سواء، فضلاً على أن القانون يشكل ضمانةً لدى المتعاملين في القطاع الصحي بشكل عام، وأخص بالذكر هنا المرضى ومنهم الأجانب والمغتربين الذين كانوا يقصدون الأردن لغايات السياحة العلاجية لثقتهم بالقطاع الصحي الأردني وكفائته، ولكن غياب قانون المسؤولية الطبية والصحية وتأخير إقراره في فترة كان القطاع الصحي في أمس الحاجة إليه أدى الى ظهور سلوكيات فردية سلبية أساءت للقطاع الصحي وانهكته وعرقلت نموه بشكل ملحوظ.

 

لقد تم إقرار قانون المسؤولية الطبية والصحية في بداية عام (٢٠١٨)، والذي تضمن في ثناياه العديد من البنود والأحكام التي تهدف الى تطوير القطاع الصحي بشكل عام، فقد عرف القانون القواعد المهنية على أنها: “مجموعة القواعد والأعراف والتشريعات التي تفرضها طبيعة عمل مقدمي الخدمة وفقاً لأحكام المادة (5) من هذا القانون”، كما عرف الإجراءات الطبية والصحية على أنها: “الفحص السريري والمخبري والشعاعي والمعالجة الفيزيائية والإختصاصية والإستشارات الطبية والعمليات الجراحية والولادة والأدوية والإقامة في المستشفيات أو أي إجراء له علاقة بتقديم الخدمة”. وقد نص القانون أيضاً على ما يلي:

  • يشكل الوزير لجنة تسمى (لجنة المعايير الطبية والصحية لإعتماد القواعد المهنية) كل ثلاث سنوات …”.
  • “تشكل لجان فرعية للتخصصات كافة بقرار من الوزير بناءً على تنسيب لجنة المعايير الطبية والصحية تتولى وضع الحدود الدنيا للقواعد المهنية الواجب اتباعها من مقدم الخدمة وإجراءات تقديمها….”.
  • “تحدد إجتماعات لجنة المعايير الطبية والصحية وكيفية إتخاذ قراراتها بموجب تعليمات يصدرها الوزير لهذه الغاية”.
  • “تحدد كيفية عمل اللجان الفرعية وشروط العضوية فيها والنصاب القانوني لإجتماعاتها وإتخاذ توصياتها وكل ما يتعلق بها بموجب تعليمات يصدرها الوزير لهذه الغاية.
  • “على مقدم الخدمة الإلتزام بالقواعد والمعايير والإجراءات الخاصة بممارسة المهنة تبعاً لدرجته ومجال تخصصه ….”
  • يصدر مجلس الوزراء الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام القانون.
  • رئيس الوزراء والوزراء مكلفون بتنفيذ أحكام القانون.

ويتبين من خلال النصوص أعلاه بأن المشرع يهدف بشكل مباشر الى استحداث لجنة تسمى (لجنة المعايير الطبية والصحية)، والتي من ضمن غاياتها إعتماد القواعد المهنية الواجب اتباعها من قبل مقدم الخدمة أثناء تأديته لعمله، وذلك في كافة المجالات والتخصصات الطبية والصحية، بما في ذلك القواعد الواجب إتباعها في الحالات الطارئة. وبالرغم من أن القانون قد صدر قبل ما يزيد عن عامين، إضافة الى السنوات التي استغرقها صدور القانون ذاته، فلم يتم تنفيذ أحكام هذه المواد حتى يومنا هذا، ولم يتم التوصل الى تلك القواعد الواجب اتباعها من قبل مقدم الخدمة بالرغم من أن القطاع الصحي كان ولا يزال بأمس الحاجة لتلك القواعد والبروتوكولات، وبالتحديد في ظل تفشي وباء كورونا. وبالتالي، فإنه من البديهي عدم التوصل لبروتوكول أو دليل إرشادي للتعامل مع الأمراض والأوبئة المستجدة طالما أنه لا يوجد بروتوكولات وقواعد للتعامل مع الأمراض والأوبئة الإعتيادية من الأساس؟ وأقصد هنا، وعلى سبيل المثال: كيفية التشخيص والتعامل مع الأمراض بما في ذلك الأمراض المعدية والمزمنة، وعدد الأسرة وأجهزة التنفس الإصطناعي ووحدات العناية المركزة والحثيثة وغرف العزل الصحي الواجب توفرها داخل المستشفيات وكيفية التعامل معها ومع متلقي الخدمة بشكل عام، مما يستوجب على الجهات ذات العلاقة تنفيذ أحكام هذا القانون والعمل على إصدار أدلة وإرشادات وبروتوكولات صحية تكفل إعادة البريق لهذا القطاع الذي كان ولا زال محل فخر وإعتزاز لكل الأردنيين، وتفادياً لأية ظروف طارئة قد تهدد سلامة هذا القطاع.

وبالنتيجة، فإن العمل على رسم إطار زمني ملزم لغايات إصدار التشريعات قد أصبح حاجة مُلحّة لغايات الحفاظ على الغاية التي وجدت من أجلها تلك التشريعات، وذلك ضماناً لمواكبتها وإنسجامها مع كافة المستجدات على الصعيدين المحلي والدولي.

المحامي معن نصير

Back To Top